تأتى المساعدات المالية التى يقدمها صندوق النقد الدولى للبلدان التى تواجه أزمات اقتصادية مصحوبة بشروط تتطلب من الدول تنفيذ تدابير التقشف، مثل خفض الإنفاق العام وزيادة الضرائب.
وبحسب تقرير نشرته منظمة Action Aid فى مالاوى، فإن لهذه التدابير التقشفية تأثيرا كبيرا على النمو الاقتصادى فى الدول الأفريقية، وكذلك على حياة النساء والفتيات.
ووفقا للتقرير، فإن صندوق النقد الدولى يطلب من الدول تنفيذ هذه التدابير كشرط لتلقى المساعدة المالية، إلا أن لهذه التدابير تأثيرا كبيرا على الرعاية الاجتماعية، وخاصة بالنسبة للفئات السكانية الضعيفة.
وبحسب التقرير، تتأثر الفئات السكانية الضعيفة فى العديد من الدول الأفريقية بشكل كبير بإجراءات التقشف لأنها تعتمد غالبًا على برامج الرعاية الاجتماعية التى تخضع للتخفيضات بموجب تدابير التقشف.
وعلى سبيل المثال، وفقا لدراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، فإن تدابير التقشف فى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء أدت إلى انخفاض التمويل لبرامج صحة الأم والطفل، مما أثر بشكل كبير على النساء والفتيات.
وأوضح التقرير أن تدابير التقشف تؤدى إلى فقدان الوظائف وتقليل الوصول إلى برامج التعليم والتدريب.
وأشار إلى أن الحزم التى يقدمها الصندوق غالبا تأتى بشروط تعطى الأولوية لسداد الديون على برامج الرعاية الاجتماعية.
وبحسب دراسة أجراها المركز الدولى لبحوث المرأة، فإن سياسات صندوق النقد الدولى فى تنزانيا أدت إلى انخفاض التمويل لخدمات الرعاية الصحية.
وتدعو منظمة Action Aid بقوة الحكومات التى تتعامل مع صندوق النقد الدولى إلى التخلى عن تدابير التقشف، وبدلاً من ذلك، تستثمر المزيد من الموارد فى اقتصاد الرعاية وغيره من القطاعات العامة.
كما تتمنى المنظمة أن يستعير صندوق النقد الدولى ورقة منظمة التجارة العالمية التى قدمت فى عام 2005 بعنوان «المعونة من أجل التجارة». وتشير المعونة من أجل التجارة إلى تقديم المساعدة أو الدعم للدول النامية لمساعدتها على بناء قدراتها التجارية والاندماج فى الاقتصاد العالمى. وهذه آليات تمويل أفضل تهدف بشكل رئيسى إلى تعزيز النمو الاقتصادى والتنمية المستدامة والحد من الفقر من خلال معالجة القيود المفروضة على جانب العرض والتى تحد من قدرة الدول النامية على المشاركة فى التجارة العالمية.
ومن أجل تحقيق العدالة الضريبية، تدعو المنظمة الحكومات، وخاصة تلك الموجودة فى الجنوب العالمى، إلى السعى إلى فرض ضرائب عادلة باعتبارها سبل محتملة لزيادة تعبئة الموارد المحلية للاستثمار التدريجى فى الإنفاق العام.
وخلص التقرير إلى أن تدابير التقشف التى يفرضها صندوق النقد الدولى تصدر حكماً بالإعدام على البلدان النامية بما فى ذلك ملاوى.
المبالغة فى تقديرات النمو.. ستار «موضوعى» يخفى المعاناة من «الإصلاح»
لاقى صندوق النقد الدولى احتجاجات شعبية فى الدول التى اقترضت منه مثل الأرجنتين، والإكوادور، واليونان، والأردن، وكينيا، ونيجيريا، وباكستان، وتونس وغيرها، بحسب صحيفة Dawn الباكستانية.
وبحسب الصحيفة، فإن اللافتات التى يحملها المحتجون تتهم المقرض العالمى، بتعزيز الإمبريالية القائمة على الديون وتفاقم التفاوت الاقتصادى.
وذكرت الصحيفة أن المرارة التى يشعر بها الناس تجاه صندوق النقد تنبع من الشروط التى يفرضها لمنح قروضه. وتبنى هذه الشروط على تقليص دور الحكومة بسبب اعتقاد راسخ بتفوق حرية الأسواق بوصفها أفضل وسيلة لتنظيم الاقتصاد والتى قد لا تكون مثالية.
وأوضحت الصحيفة أنه على مر السنين، كانت فكرة حرية الأسواق مادة لقدر كبير من الانتقادات.
على سبيل المثال، يرى ها جون تشانج، الخبير الاقتصادى من جامعة كامبريدج، أنه لا وجود لما يسمى “حرية الأسواق”، وأن اللوائح والقوانين تقيد حرية التعاقد فى جميع الأسواق، مثل تقييد عمالة الأطفال، وإلزام البنوك بالاحتفاظ برأس المال.
وبحسب آراء سابقة لمحبوب الحق، الخبير الاقتصادى ووزير المالية الباكستانى الراحل، فإن الأسواق ليست صديقة للفقراء والمستضعفين، سواء على المستوى الوطنى أو الدولى. وكثيراً ما يتصرف الناس وكأن الأسواق حرة. ولكنها ليست كذلك.
ومن وجهة نظر الخبير الاقتصادى الراحل فإن الأسواق غالباً ما تكون خادمة لمجموعات المصالح القوية، وهى تتأثر بالتوزيع السائد للدخل.
علاج بالصدمة لايحقق الشفاء
وفقا للصحيفة الباكستانية، فإن الشروط المصاحبة لقروض صندوق النقد الدولى، والمعروفة بالإصلاحات الهيكلية، غالبا ما تكون نمطية، مثل خفض الإنفاق الحكومى، وتحرير التجارة، وإزالة القيود المفروضة على تدفق رأس المال، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، وتقليص الدعم، وزيادة الضرائب، وغيرها.
وللإنصاف، بحسب الصحيفة، فإن الإصلاحات الهيكلية غالباً ما تتضمن إجراءات كان ينبغى على البلد المقترض أن ينفذها بمفرده، مثل توسيع القاعدة الضريبية وتعزيز مؤسسات مثل البنك المركزى.
ولكن حتى الإصلاحات المبررة تُجمَع معاً باعتبارها علاجاً بالصدمة، فالبلدان مطالبة بإكمال ما كانت تكافح من أجله على مدى عقود من الزمان فى غضون سنوات قلائل، بحسب الصحيفة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدراسات المرتبطة بنتائج الإصلاحات الهيكلية التى أجراها صندوق النقد الدولى متضاربة. ومع ذلك، فإن الانتقاد الثابت الذى يوجه للمقرض الدولى هو أن الصندوق يبالغ فى تقدير النمو ويقلل من تقدير المعاناة الناجمة عن الإصلاحات.
إصلاحات غير عادلة
وبحسب الصحيفة الباكستانية، فإن الديون السيادية محملة بتكاليف ممتدة تتجاوز الأجيال الحالية. كما أن إصلاحات المقرض الدولى فى باكستان لا تعالج الظلم الاقتصادى المتأصل فى اقتصاد البلاد المثقل بالديون. وقالت الصحيفة إن الحكومات مطالبة بالتعامل مع ما يؤذى الناس مثل خفض قيمة العملات.
وذكرت الصحيفة أن الشعب الباكستانى كان ربما يشعر بالامتنان لو أن شروط الصندوق كانت تلزم الحكومة باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة ضد المتهربين من الضرائب فى قطاعات مختلفة مثل العقارات والتبغ والسكر. وكان من الممكن أن تثير شروط الصندوق هتافات صاخبة لو كانت تلزم الحكومة بملاحقة أولئك الذين يحولون المليارات إلى الخارج باستخدام حسابات مصرفية وهمية.
وبدلاً من ذلك، بحسب الصحيفة، طالب صندوق النقد الحكومة الباكستانية باتخاذ خطوات مثل رفع أسعار الطاقة. وقد صدمت الزيادة الهائلة فى أسعار الغاز المستهلكين وأدت إلى ارتفاع سعر الخبز فى البلاد منذ عام 2018.
التهام الإنفاق الاجتماعى.. وصفة مكررة للبؤس
قالت منظمة أوكسفام إن دور المقرضين الدوليين فى حماية المواطنين فى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من الأزمة الاقتصادية غير متسق وغير كافٍ.
وذكرت المنظمة فى تقرير لها أن مبادرة صندوق النقد الدولى لدعم الفقراء فى الجنوب العالمى من تداعيات تدابير التقشف والأزمة الاقتصادية العالمية باتت فى حالة يرثى لها.
وأظهر تحليل جديد أجرته منظمة أوكسفام أن الحدود الدنيا للإنفاق الاجتماعى لصندوق النقد، وهى أهداف مصممة لمساعدة الحكومات المقترضة على حماية المستويات الدنيا من الإنفاق الاجتماعى، أثبتت عجزها أمام سياسات التقشف المطبقة والتى تجبر البلدان على خفض التمويل العام.
لقد شجعت الحدود الدنيا للإنفاق الاجتماعى على زيادة الإنفاق المعدل حسب التضخم بنحو مليار دولار خلال العام الثانى من برامج القروض مقارنة بالعام الأول، عبر 13 دولة.
وفى المقابل، فإن حملة التقشف التى يفرضها الصندوق تطلب من هذه الحكومات أن تستقطع أكثر من 5 مليارات دولار من الإنفاق الحكومى خلال الفترة نفسها.
قال المدير التنفيذى لمنظمة أوكسفام أميتاب بيهار: “هذا يشير إلى أن صندوق النقد الدولى كان أكثر فاعلية فى دفع الحكومات إلى خفض ميزانياتها”.
لقد أثبتت حدود الإنفاق الاجتماعى لصندوق النقد الدولى، التى قدمها فى استراتيجية الإنفاق الاجتماعى لعام 2019، أنها غير كافية أو غير متسقة. وتقول منظمة أوكسفام إن هذا يسهم فى التهديد بـ”عقد ضائع” من التنمية.
قال بيهار: “هذا أمر مقلق ومخيب للآمال لأن الصندوق حث البلدان على إعادة البناء بشكل أفضل بعد الجائحة من خلال الاستثمار فى الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم”.
وأضاف: “من بين مليارى شخص يعانون أكثر من غيرهم من تداعيات التقشف وضغوط الإنفاق الاجتماعى، نعلم أن النساء هن من يتحملن العبء الأكبر دائمًا”.
وفى تقرير صدر بعنوان “الحدود الدنيا للإنفاق الاجتماعى لصندوق النقد الدولي: هل هى غطاء للتقشف؟”، قامت منظمة أوكسفام بتحليل هذه المستهدفات فى جميع برامج قروض الصندوق المتفق عليها مع 17 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل فى عامى 2020 و2021. وأظهر التحليل، وجود تفاوتات بين البلدان. ولا توجد طريقة موحدة لتتبع التقدم، وكانت العديد من الأهداف الدنيا غير كافية.
على سبيل المثال، استناداً إلى البيانات المتاحة، لا يوجد لدى أى من البلدان السبعة عشر حالياً حد أدنى للإنفاق الاجتماعى يكفى لتغطية تكاليف تحقيق هدف منظمة الصحة العالمية فى مجال الصحة، ناهيك عن الأهداف الأخرى مثل التعليم.
ووفقا للتقرير، فإن الحدود الدنيا التى اتفق عليها صندوق النقد مع تشاد والكاميرون والأردن ومدغشقر تعنى أن أهداف الإنفاق الاجتماعى التى حددها برنامج الصندوق لهذه البلدان قد انخفضت فى الواقع بنسبة %3- %5 على مدار قروضها، ما يشير إلى أن التقشف يلتهم الإنفاق الاجتماعى، وهو أمر مقلق للغاية.
وفى 11 حالة أظهرت فيها البلدان ارتفاعاً اسمياً فى حدود الإنفاق الاجتماعى، بدا أن التضخم لم يؤخذ فى الاعتبار. وعند أخذ التضخم فى الحسبان، وجدت “أوكسفام” أن معدلات الزيادة أبطأ بشكل ملحوظ، وفى 3 حالات، سجلت انخفاضاً حقيقياً.
وحللت منظمة “أوكسفام” 63 من أصل 124 شرطا تتعلق بالحدود الدنيا الاجتماعية التى كانت بياناتها متاحة، ووجدت المنظمة أن %65 فقط (41 من 63) قد تم تنفيذها بالفعل. ولم تحقق جمهورية الكونغو الديمقراطية ومدغشقر أيا من هذه الحدود الدنيا. والأردن فقط هو الذى حقق كل حدود الإنفاق الاجتماعى.
وعلى النقيض من ذلك، نفذت هذه البلدان %85 من أهداف التقشف. وتكافح البلدان من أجل تلبية حدود الإنفاق الاجتماعى، وترى منظمة أوكسفام أن هذا يرجع جزئيا إلى اضطرارها إلى إجراء تخفيضات فى الميزانية خوفا من تأخير دفع أقساط القروض.
قال بيهار: “الحدود الدنيا الاجتماعية أصبحت أشبه بالسقوف. وفى حين أن نصف البلدان السبعة عشر التى قمنا بتحليلها حققت بالفعل الحد الأدنى من الإنفاق الاجتماعى، وهو أمر مخيب للآمال إلا أن بلدين فقط أنفقا %10 أكثر مما اتفقا عليه مع صندوق النقد”.
فجوات التفاوت الاقتصادى.. باقية وتتمدد
اهتم الباحثون على مدى سنوات عديدة بالتقشف (أو التشديد المالى الإلزامى) كأداة يفرضها صندوق النقد الدولى على الدول المقترضة، خاصة فيما يتعلق بالتداعيات التى تخلفها سياسة التقشف، بحسب تقرير نشره مركز سياسات التنمية العالمية التابع لجامعة بوسطن الأمريكية.
وذكر التقرير أن سياسة التقشف تضر الفقراء وتوسع من فجوة التفاوت الاقتصادى بين الأشخاص.
وبحسب التقرير، فإن البلدان المقترضة قد تواجه التقشف إذا كانت تستضيف استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة.
وأوضح التقرير أن التقشف الذى يطلبه صندوق النقد الدولى يرتبط بشكل كبير بارتفاع فجوة التفاوت، ما يؤدى إلى ارتفاع مستويات الفقر بشكل كبير فى البلدان التى تواجه متطلبات تقشف أكثر صرامة.
وأشار التقرير إلى قيام الباحثين فى مركز الناتج المحلى الإجمالى بدراسة عمق التعديل المالى المطلوب فى اتفاقيات صندوق النقد الدولى واستكشاف من يتلقى الشروط، ومدى تساهل أو قسوة كل اتفاقية مع الصندوق.
ما مقدار التعديل المالى الذى طلبه صندوق النقد الدولى من عام 2001 إلى عام 2018؟
فى ورقتى عمل بعنوان “تقشف صندوق النقد الدولى منذ الأزمة المالية العالمية”، وجد الباحثون تبايناً ملحوظاً فى التشديد المالى (أو التيسير) المطلوب فى جميع اتفاقيات صندوق النقد الدولى. كذلك فإن متوسط التعديلات المالية المطلوبة كان دائماً يتراوح بين خفض أو إضافة 1% من الناتج المحلى الإجمالى إلى ميزانيات المقترضين لكل عام.
البلدان تحصل على إجراءات أكثر تقشفاً أو تساهلاً من الصندوق
وجد الباحثون أن التقشف الذى يطلبه المقرض الدولى لم يكن موزعاً بالتساوى بين جميع المقترضين، أو حتى بين جميع المقترضين الذين يواجهون ضغوطاً اقتصادية مماثلة. وحتى بعد الأخذ فى الاعتبار الوضع الاقتصادى لكل بلد، وجد الباحثون أن العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية الخارجية للدول كانت مهمة فى تمهيد الطريق لشروط برامج صندوق النقد الدولى.
الفئات الضعيفة الأكثر تضرراً
يستكشف بحث إضافى لمركز الناتج المحلى الإجمالى تأثير التعديل المالى الذى فرضه صندوق النقد الدولى على التفاوت والفقر، باستخدام مجموعة البيانات السابقة نفسها. ووجد الباحثون أن التقشف الأكبر الذى فرضه صندوق النقد الدولى على البلدان المقترضة يرتبط بزيادة التفاوت والفقر فى تلك الدول.
وأشار التقرير إلى أنه خلال الجائحة، وسط حالة عدم الاستقرار الاقتصادى العالمى، خرج المستثمرون الدوليون من الاقتصادات النامية، قبل أن يعودوا بعد الإعلان عن التطعيمات، مما أدى إلى عدم استقرار كبير فى أسعار الصرف، مما جعل التزامات الديون المقومة بالدولار غير مستدامة. ناهيك عن التأثير السلبى على ميزان مدفوعات الدول، مما خلق نوعًا من عدم الاستقرار المالى الدولى الذى تم إنشاء صندوق النقد الدولى لمعالجته.
